الحوكمة مصطلح ناشئ في اللغة العربية، شّرع مجمع اللغة العربية استعماله سنة 2002، وهو ترجمة للفظ الفرنسي Gouvernance
وأقربب الالفاظ العربية المركبة إليه "الإدارة الرشيدة" ، أو "التصرف الرشيد". وقد عرّف الأمر عدد 4030 لسنة 2014، المؤرّخ في 3-10-2014، والمتعلّق بالمصادقة على مدوّنة سلوك وأخلاقيات العون العمومي الحوكمة بما يلي: "الحوكمة هي نظام للرّقابة والتّوجيه على المستوى المؤسّسي يحدّد المسؤوليّات والحقوق والعلاقات مع جميع الفئات المعنيّة ويوضّح القواعد والاجراءات اللازمة لصنع القرارات الرّشيدة المتعلقة بعمل الهيكل".
فالحوكمة - حينئذ - تنظيم للموارد البشرية والمالية واللوجستية وتوجيه لها لتحقيق أهداف المؤسسة وصون مكتسباتها، وتنفيذ برامجها ومهامها بأقل التكاليف، وبأقصى مواصفات النجاعة، ومن هنا أطلقنا عليها التصرّف الرشيد، وبالتالي لا تكون حوكمة إلا متى توفرت شروط هي:
- البرمجة المحكمة.
- المسؤولية.
- المحاسبة.
- الشفافية.
-العدالة.
- حق النفاذ إلى المعلومات.
ومن أركان الحوكمة:
1- الانتقال من التصرف الفردي / الرأسي الاستبدادي إلى التصرف التشاوري التشاركي.
2 - الالتزام الواعي والشفاف بالتراتيب القانونية، وبقواعد التصرف الإداري والمالي الرشيد، وتكريس علوية القانون.
3- توزيع البرامج والأهداف توزيعا متوازنا على مختلف المتدخلين بصورة تراعي الخبرة والاختصاص والكفاءة.
4- تعزيز روح المبادرة عند جميع المتدخلين، وتعبئة قدراتهم لخدمة المشروع أو البرنامج.
5- الضغط على التكاليف لتأمين استمرارية المرفق العمومي.
6- إتاحة المعلومات لكل طالبيها ـ إلا ما كان منها مضرا بمصالح الأفراد ـ تكريسا للشفافية.
7 - تعويد المتدخلين على تبرير منجزهم، لأن الكل مسؤول أمام الكل، والكل مسؤول أمام القانونية والهيئات الدستورية.
كيف نتمثل الحوكمة في منجزنا التربوي والإداري؟ أو كيف نحوكم حياتنا المدرسية ؟
يحوكم المسؤول الإداري منجزه من خلال تفعيل شروط الحوكمة وأركانها، فهو:
--- يبرمج نشاطه الإداري المتسم بطابع دوري (أسبوعي / شهري / ثلاثي / سنوي)، ويكلف أعضاده وأعوانه بمباشرة النشاط غير الدوري الذي يطلب منه من غير تلكؤ أو تأخير، ثم يراجع معهم ما أنجزوه حتى يحال إلى الجهات المخاطبة به خال من الأنّقص والأخطاء.
--- يتصرّف بمسؤولية في كل قراراته واجراءاته مراعيا بذلك القوانين والتراتيب المنظمة للعمل، وبالتالي لا يغير من تلك التراتيب إلا إذا ألجأته الضرورة إلى ذلك، والضرورة تبرّر، واجراءاتها الاستثنائية تزول بزوال موجباتها.
--- لا يستنكف من الحساب والمحاسبة، ويجهّز سجلاّته ووثائقه لتكون سندا عند كل اقتضاء، والمحاسبة علامة صحّيّة في التصرّف الإداري، وتفتح الباب على تحديد مواطن القوة ومواطن الضعف في المنجز الاداري، وتمكّن من آليات لتقييم المسؤولين خاصة والمفاضلة بينهم، وفسح المجال لتكريم وترقية من هو جدير منهم بذلك.
--- يعوّد أعضاده وأعوانه على أن يشاركوه في الاجراءات المنظّمة للعمل، للقطع مع النّمط الفردي / الاستبدادي في التسيير، والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم السابقة وفي المتون "ما خاب من استشار"، ومن المحبّذ أن يوثّق تلك الجلسات التشاورية في محاضر جلسات، أولا لتصبح الاستشارة سنة ثابتة في الحياة المدرسية، وثانيا تجعلها سنّة ملزمة لمن يأتي بعده، وثالثا تكون له سندا عند كل حساب أو محاسبة.
--- يكون شفافا يشرّك أعضاده وأعوانه في كل المهام، ويطلب المشورة من أهل الخبرة منهم، ويقترح عليهم إبداء الرأي في قراراته واجراءاته كي تستوفي الشروط القانونية، وتكون مجدية. ولا يتكتم على الملفات أو الوثائق ترسيخا لقاعدة "حق النفاذ" التي تعدّ الدعامة الرئيسية للتصرّف الشّفاف.
--- أن يعدل بين أعضاده وأعوانه، ويقف منهم مسافة واحدة، ويشعر كل واحد منهم بقيمته ودوره، ويثمن مجهودهم، ويحفز طاقاتهم بنفس الآليات، ويوزع المهام والتكاليف بينهم توزيعا متوازنا، فلا يحس بعضهم أنهم مهمشون لا دور لهم، ولا يحس آخرون أن كاهلهم مثقل دون مبرر، وهكذا فالعدل والعدالة كلاهما يبعد عن الفريق الفرقة والصراعات الثنائية والكيد... ويقوّي اللُّحمة، ويعزّز الانسجام ، ويجعل الطاقات المنفردة طاقة جماعية تعطي للمنجز الاداري والتربوي قيمة مضافة.