أجساد أبنائنا للتلاميذ وكرامتهم محفوظة بالقانون الإداري والجزائي وبالعرف التربوي وبأخلاقنا التي تعلمناها من أسرنا قبل قراءة الكتب كما يقول درويش.
إن صون الحرمة الجسدية والمعنوية تتجاوز تحجير العنف اللفظي والمادي تحجيرا صريحا في القانون، لتتعلق بالاعتداءات الجنسية الصريحة والضمنية. وعني بالاعتداء الجنسي الصريح المفاحشة أو الشروع فيها أو في مقدماتها التي تشمل المداعبة ومس الاماكن الحساسة في الجسد وان كان في سياق مزاح أو هزل...
ونعني بالاعتداء الضمني التحرش الجنسي بالاشارة أو بالعبارة أو بالنظر أو بالتلميح، والتحرش كما المفاحشة جنايتان متبوعتان بعقوبات بدنية صارمة عملا بأحكام الفصل عدد 227 من المجلة الجزائية وما بعده.
ويؤسفني ان اجد نفسي مدفوعا الى الخوض في هذا الموضوع-العورة والذي نكابر كثيرا في مصارحة بعضنا بعضا به لاعتبارين على الاقل، وهما:
1 - تكرر الاعتداءات الجنسية على التلاميذ من مختلف الأعمار.
2 - تساهلنا البين في احترام أجساد تلاميذنا، فنرى في فضاءاتنا التربوية بعض المربين - من الجنسين - وهم يمسكون تلميذا أو تلميذة من اليد أو من الذراع، أو يضعون اليد أو الذراع على كتفه في مشهد يوهم بمرافقة أو بمؤانسة... وغير ذلك من حركات تواترت في مختلف فضاءاتنا التربوية.
ونحن نتكلم عنها بصراحة قد تسوء البعض، حيث نصنف كل تلك الحركات المزعومة "أبوّة" أو "أمومة" اعتداءات جنسية مبطنة، وأشكال تحرش تختفي خلف عبارات "مثل ابني / مثل ابنتي".
لنفترض ان المربي يعتبر الفتى أو الفتاة ابنا أو بنتا له، فما الضمانة المتوفرة لديه حول نظرة التلميذ تجاهه، وهل انه يجد فيه صورة والديه البيولوجيين، أم انه يلتذ بالتحرش أو يألم منه في صمت وخوف.
لهذه الاعتبارات المعقدة دعا الشيخ ابن عاشور في منظومته التربوية "اليس الصبح بقريب" الى ان يحفظ المربي مسافة تفصل فصلا تاما بين جسد المربي وجسد التلميذ وقدرها ب"قوس"، وزاد عبارته العظيمة(... وكانوا يعدون القرب منه اكثر من ذلك من سوء التربية).
إن مسافة قوس يمكن فهمها في دلالتها الحقيقة تفريقا بين الجسدين، وتعني ايضا فصلا معنويا وذلك بتعفّف المربي عن الخوض في المهاترات العاطفية التي يطنب المراهقون في الحديث فيها وعنها.
لذا، ندعو كل اعضاء الاسرة التربوية دون استثناء الى حفظ الحرمات الجسدية والمعنوية للتلاميذ، وان يحفظوا أيضا مسافة امان كافية عند التعامل معهم، ويؤسفنا التذكير بأن عشرات المربين يدانون سنويا إداريا وأحيانا جزائيا بتهم التحرّش أو ارتكاب أفعال خادشة للحياء رغم تحصّنهم بالانكار وبأن الضحية هو منهم بمثابة الابن أو البنت.