ينتهي الباحث عند تحرير التّقرير، وتحليل التّهم المثارة في وثيقة المنطلق إمّا إلى إثباتها ثبوتا كافيا، أو إلى نفيها نفيا حاسما، لأنّ عبء الإثبات محمول على الإدارة في المادّة التّأديبيّة، وقرينة البراءة مبوّأة منزلة دستوريّة ، ويحصل الإشكال في صورة تعارض شهادات في خطأ واحد، إذ تجتمع للباحث شهادات للإثبات، وأخرى للنّفي في نفس التّهمة، فما العمل؟ وقبل الإجابة عن هذا الإشكال، ننوّه إلى ما يلي:
تقديم قرينة البراءة على الاتّهام الجزافي، وقد خلصت المحكمة الإداريّة إلى التّالي: "يتمتّع الأعوان الواقع
تتبّعهم تأديبيّا بقرينة البراءة وتأويل الشّكّ لفائدتهم فيما ينسب إليهم من اتّهامات" .
الأبحاث الإداريّة فرديّة، وبالتّالي لا يطرح الباحث السّؤال الكتابي على مجموعة أشخاص، ويطلب منها تقديم إجابات متزامنة عليها، لأنّ الأجوبة في هذه الحالة تتأثّر بمزاج واحد، وتتشابه صيغها، وتتكرّر مقاطع فيها، وعليه نقرّر ما يلي:
1. شهادات الإثبات تعتمد في إثبات التّهمة تأكيدا لاحترام الباحث لقرينة البراءة.
2. شهادات النّفي تخّفف من وطأتها فقط، ولا تلغيها تماما، إلا إذا ثبت للباحث وجود قرائن كيد ضدّ العون العمومي المتّهم، مثل ثبوت خلافات غير مهنيّة بين الشّاكي والمشتكى به، أو تلبّسها بالتّدافع القطاعي أو السّياسي أو غيره.
3. شاهد النّفي ينفي حصول التّهم من منطلق عدم استهدافه بها، أو عدم حضوره وقت اقترافها، أو عدم
علمه بفاعلها، وليس من منطلق مباشرته لمهام الرّقابة والحراسة، حتّى يركن الباحث إلى نفيه دليلا قاطعا على عدم ثبوتها.
4. ضمير الباحث يوقفه على وجود محاولات التفاف على البحث، وبالتّالي فترجيحه يعتدّ به، إذا رجّح شهادات الإثبات أو شهادات النّفي، وينصّص على دواعي التّرجيح في الحالتين المذكورتين ومبرّراته،
ولولا ذلك لأغلقت كلّ الأبحاث الإداريّة، ولتفصّى كلّ المتّهمين من وِزر ما اتّهموا به، ليُسر استعانتهم بمن يغطّي عليهم، وينزّههم عمّا نسب إليهم.
_________________
*
الومضات الإشهارية لست من يبثها، ولا قدرة لي على تحييدها، فعذرا لكل الأعضاء والزوار..