هل يطّلع الباحث على وثائق قضيّة منشورة لدى محكمة؟

نؤكّد على أنّ مهمّته البحثيّة مسيّجة إجرائيّا بأمرين:
أ‌. أنّه باحث إداري ينجز بحثا إداريّا مع منظوري وزارة التّربية وفي فضاءاتها الترّبويّة والإداريّة والتّكوينية، وخلال توقيت العمل الإداري.
ب‌. يتقصّى أخطاء مهنيّة وأخطاء تصرّف في ما ضبطه القانون العام، وبعضا من قواعد القانون الخاص ذات الصّياغة العامّة، والتي تنقل أفعالا جرميّة من علاقة الأفراد ببعضهم، إلى مخالفات أو جنح أو جرائم يرتكبونها إزاء الدّولة.
وعليه فنحن نؤكّد على أنّ البحث الاداري منضبط بهذا التّسييج المنهجي انضباطا صارما، وبالتّالي فإنّه لا وجود لدافع قانوني يفرض على الباحث الإداري طلب وثائق أو إفادات من ملفّ قضيّة يتعهّد بها القضاء العدلي أو الاداري أو المالي أو العسكري، وإذا فعل الباحث ذلك فإنّ اجتهاده غير قانوني للاعتبار التّالي:
1. تدخّل في سير القضاء من حيث توظيف وثائق أو مكافحات أو شهادات... لإثبات أخطاء إداريّة أو نفيها والحال أنّها لا تزال تحت انظار القضاء، وإنّما جمعها باحث البداية أو قلم التّحقيق وحصلا عليها كي يضعاها على ذمّة القاضي المتعهّد، ولا تصبح حقائق ثابتة إلا بعد التّصريح بالأحكام، في كل أطوار التّقاضي من الابتدائي إلى التّعقيب، مرورا بالطّور الاستئنافي.
2. خروج عن حدود مهّمته المنظّمة بقرار رئيس الإدارة، بـ"إذن بمهمّة"، والتجاء غير ضروري لتفعيل أذون قضائيّة، أو آليّات نفاذ. أمّا إذا حصل الباحث على وثائق من ملفّ القضيّة بطرق خاصّة، فإنّه يكون تحت طائلة القانون في ما ارتكبه من تعدّ على المعطيات الشّخصيّة، أو اختلاس للوثائق.
3. تضمين الاعترافات والشهادات ومحاضر الإثبات لا يعتد بها إلا بعد أن يفحصها القاضي المتعهد، ويفحص خاصة إجراءات الحصول عليها، وسلامتها من كل قادح شكلي. وكثيرة هي أدلة الاثبات التي لا يعتدّ بها قاضي التّحقيق أو قاضي الجلسة لقادح فيها أو ظهور ما يضعفها، أو يدحضها.
4. استقلال المسار الإداري عن المسار الجزائي ، وعلى الإدارة تأديب منظورها إذا أدانه القضاء بعقوبة
نهائيّة، وإن كانت بديلة، ولا تؤاخذه لمجرّد اتّهامه، أو بسبب المثول أمام القضاء طالبا أو مطلوبا أو شاهدا.
5. استقرّ عمل المحكمة الإداريّة على أنّ للإدارة حقّ إدانة منظورها إداريّا في ما برّأه فيه القضاء، بشرط أن تثبت الخطأ، وأن تعلّله، وإصرار الباحث الاداري على الاطّلاع على مسار القضيّة جمع غير مشروع بين مسارين مستقلّين عن بعضهما البعض.
6. القضاء العدلي لا يدين إلا في تهم محدّدة بنصّ قانوني سابق الوضع، ولا يدين أيضا في الشّبه، إلا أنّ المسار التّأديبي مختلف عن ذلك، فللإدارة حقّ معاقبة منظورها على الشّبهات، وارتكابه ما يخلّ بكرامة الوظيف، أو بما يخلّ بمدوّنة وأخلاقيّات العون العمومي . وبهذه الصّياغة العامّة لكرامة الوظيف، تكيّف الإدارة الأخطاء المهنيّة لمنظوريها، وتحاسبهم على أساسها، وعبء الإثبات محمول على الإدارة.
7. أنّه يشكّل مدخلا للطّعن في مخرجات البحث تبعا لهذا الخلل الإجرائي، لأنّ الباحث اذ يطّلع على وثائق قضيّة ملزم قانونيّا بطلبها بإحدى صيغتين:
أ‌. طلب نفاذ إلى المعلومة.
ب‌. إذن على عريضة.

وفي الحالتين يكون قد خرج شكليا عن الإذن بمهمة الموجّه إليه من رئيسه، وحاول منح نفسه صفة الضّابطة العدليّة دون وجه حقّ، بالتّقصّي في الجرائم وملابساتها. وينقل عمله من باحث إداري إلى متدخّل في سير القضاء، ومتّجسّس على النّاس وعلى دعاويهم الشّخصية، وعدم التّقيّد بالمهام...
واستناد إلى كل ما أوردناه فإنّا نعيد التّأكيد على أنّ:
• الباحث اداري يتحرّك في إطار صفته الإداريّة.
• يكتفي بالإذن الإداري الموجّه إليه ولا يضيف إليه أذونا قضائيّة ليست من صميم مهمّته.
• ينجز بحثه في مادّة يحصل عليها من مؤسّسات إدارية راجعة بالنّظر إلى وزارة التّربية، أو من منظوري الوزارة باعتبارهم مرتبطين بعلاقة شغليّة بتلك الفضاءات الإداريّة.
• الإدارة غير ملزمة بانتظار بتّ القضاء في تهم موجّهة إلى أعوان عموميّين قاموا بها أثناء مباشرتهم لوظائفهم أو بمناسبتها ، أمّا إذا كان تتبّعهم بسبب جرائم لا تتّصل بوظائفهم من قبيل العقوق، وإهمال العيال، والعنف الأسري، والمجاهرة بالسّكر، والخيانات الزوجيّة، والإرهاب، وغيرها... فإنّ الإدارة لا تشرع في تتبّع منظورها إلا بعد توصّلها بما يفيد إدانته قضائيّا.
• الإدارة تدين بالشّبهة في مادة الاخلال بكرامة الوظيفة .
• للإدارة إدانة العون في ما برّأه فيه القضاء بشرط إثبات مخالفته للقانون الاداري أو للترّاتيب المعمول بها، وقد خلصت المحكمة الإداريّة إلى ما يلي: "يجوز للإدارة معاقبة عونها تأديبيّا رغم تبرئته من القاضي الجزائي شريطة أن لا تستعير وصفا جزائيّا واردا في المجلّة الجنائيّة للأخطاء المرتكبة وأن تتولّى تكييف تلك الأخطاء تكييفا إداريّا بحتا يأخذ وصفه من قانون الوظيفة العموميّة" .
ولولا هذا التّسييج لصار متاحا للباحث الاتّصال بالعائلات في منازلها للتّحرّي، أو طلب الشّهادات من نادلي المقاهي والحانات في المشاكل العلائقيّة، أو استعلام مروّجي المخدّرات عن سيرة أعوان التّربية...