ما أخطاء العون العمومي في مادّة إفشاء السّرّ المهني؟

سكت المشرّع في مجال التّصرّف الإداري عن إبانة معنى السّرّ المهني ودرجاته وعقوباته، ولم يضرب له أمثلة توضيحيّة، حيث اكتفى بالتّالي:"... فإنّ كل عون عمومي ملزم بكتمان السّر ّالمهني في كلّ ما يتعلّق بالوقائع والمعلومات التي تصل لعلمه أثناء ممارسة وظيفته أو بمناسبة مباشرته لها. وكلّ اختلاس أو إحالة للغير لأوراق المصلحة، أو وثائقها محجّر تحجيرا باتّا لأنّه مخالف للتّراتيب. ولا يعفى العون العمومي من واجب كتمان السّرّ، أو أن يرفع عنه التّحجير المنصوص عليه بالفقرة السّابقة إلا برخصة كتابيّة من رئيس الإدارة التي يتبعها" .
كما تأكّد وجوب كتمان السّرّ المهني سواء كانت المعلومات أو المعطيات المطلوب كتمانها في علاقة بالوظيفة أو بمناسبتها ، دون أن يبين المنشور عن أنواع السّرّ المهني، ودرجاته، وعقوبات إفشائه. وخلافا لهذا العموم في الصّياغة، كان المشرّع مفصّلا، مباشرا عند تناوله لإفشاء السّرّ المهني في سياق الطّبّ وتوابعه ، وفي سياق الجباية والأداءات . وفي سياق المكاتيب والطّرود والمراسلات ، وفي عمل الخبراء العدليّين ، وفي ما يخصّ عمل الأمنيّين ، وفي سياق تهديد أمن البلاد الخارجي ، وغير ذلك من العقوبات الزّجريّة. وبالرّجوع إلى الفصل 7 من القانون عدد 112 لسنة 1983، ننتهي إلى ما يلي:
 إفشاء السّرّ المهني خطأ إداري، وينفتح على الجرائم التي يؤاخذ عليها القانون الجزائي.
 السّرّ المهني يكتمه أعوان ومسؤولون، وإن لم يرد ذكرهم إلا أنّهم مشمولون بالمنع كونهم أعوانا عموميّين.
 السّرّ المهني وقائع ومعلومات، ويمكن أن نضيف مهما كان نوعها أو وعاؤها.
 ساوى القانون بين الاختلاس وبين إفشاء الأسرار المهنيّة.
ونشير إلى أنّ المعلومات الواجب كتمانها يطّلع عليها العون أثناء ممارسته لوظيفته، أو بمناسبتها ، وبالتّالي يخرج من المنع معطيات منفصلة عن علاقاته الشّغليّة المباشرة أو غير المباشرة. وإنّ إدانة العون في مادّة إفشاء الأسرار المهنيّة جسيم، كونه من دواعي تسليط عقوبة العزل، لذل نوجّه الباحثين وأعضاء المجالس إلى ما يلي:
أ‌. إثبات أن ما تمّ إفشاؤه هو من المعطيات أو المعلومات التي تؤدّي إفشاؤها ونشرها إلى ضرر ما.
ب‌. تحديد علاقة ما تمّ إفشاؤه بالوظيفة أو ممّا لها به علاقة مباشرة، أو غير مباشرة
ت‌. البرهنة على نيّة الإفشاء، حتى نخرج من نطاقها الإفشاء النّاجم عن الإهمال، والتّقصير في صون المعلومات ومحاملها، وتركها متاحة لمن ليست له صفة ليطّلع عليها.
ث‌. إثبات إفشاء الأسرار إثباتا قاطعا لا يرقى إليه شكّ.
ج‌. البرهنة الكافية على العلاقة السّببيّة بين الفعل والفاعل.
ح‌. التّنصيص على طريقة إفشاء السرّ المهني.
خ‌. تسمية الضّرر المادّي أو المعني الحاصل من إفشاء السّرّ المهني.
د‌. عدم الاكتفاء باعتراف العون المتّهم، وتعزيز اعترافه بقرائن إثبات كافية.
ذ‌. ضبط الجهة أو الجهات المتضرّرة من الإفشاء.
ر‌. إثبات الضّرر الحاصل من إفشاء السرّ، والضّرر أنواع:
• ضرر مادّيّ يلحق المؤسّسة العموميّة، بتسبيب خسارة، أو تفويت منفعة.
• ضرر معنوي تشويه سمعتها لدى المتعاملين معها، وتعطيل مشاريعها وصفقاتها.
• توريطها في نزاعات قضائيّة.
• مساعدة مظنون فيهم على تغيير مسارات أبحاث وتحقيقات متعلّقة بهم.
إنّ التّقيّد بالضّمانات السّابقة يحمي العون، وأسرار الإدارة وأسرار المتعاملين معها، ويغنينا عن محاولة حصر ما يعدّ سرّا مهنيّا، وما ليس كذلك، إذ يستحيل الإحاطة بها حصرا، ولكن يمكن أن الاستئناس بالتّالي:
 تسريب معلومات عن الشّراء العمومي بصورة تؤثّر على شفافيّة إجراءات إسناد استشارات أو صفقات.
 تسريب معطيات حول اختبارات الامتحانات الوطنيّة أو المناظرات المدرسيّة.
 معلومات تتعلّق بالملفّات الصّحّية لتلاميذ أو لأعوان.
 نشر معطيات غير نهائيّة حول امتحانات مهنيّة وما كان في حكمها.
 إبلاغ عن اعتزام الإدارة إجراء مراقبة إداريّة.
 معطيات تتعلّق بأبحاث إداريّة وماليّة غير نهائيّة...
 تسريب وقائع أو معطيات خلال الأبحاث الإداريّة بصورة تساعد على طمس أدلّة أو تبديل حقائق.

وبالتّالي فإنّ إدانة عون في مادّة إفشاء السّر ّالمهني ليس هيّنة، وعلى الإدارة توفير الأدلّة الكافية لحصول ذلك قبل تأديب منظورها. ومن بين الاستثناءات المبرّرة لكشف الأسرار المهنيّة:
 الإبلاغ عن طفولة مهدّدة .
 الإبلاغ عن الفساد .