نظام التأديب المدرسي السائد معيب من وجوه كثيرة:

1- نظام يفتقد الى الشرعية القانونية كونه يستند في صدوره وتراتيبه الى المنشور عدد 91/93 المؤرخ في 1-10-1991 ، وهذا المنشور منبثق من قانون الاصلاح التربوي عدد 65 لسنة 1991.
إن هذا القانون قد نسخ وألغي العمل به بصدور القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي عدد 80 لسنة 2002، وعليه فإن نظام التأديب المدرسي قد فقد مشرع وجوده، وسافر خارج زمنه القانوني، بما يجعله فاقدا تماما لكل شرعية، ويفقد -بالتبعة- كل ما يصدر عنه المشروعية ذاتها، وعديدة هي قرارات المحكمة الادارية التي نبهت الى هذا الأمر، ولم تحرك الوزارات المتعاقبة منذ 2002 ساكنا ولم تقم بأية مراجعة له.
كما أن تراتيب هذا التأديب المدرسي قد تٱكل أكثرها، فتم التراجع عن مجالس التأديب الاستثنائية، وعدلت اغلب المؤسسات عن تفعيل دور استاذ القسم، واعتماد المذاكرة التكميلية اجراء تربويا لاحتواء حالات التقاعس التلمذي...

2 -المنشور وبعد عقدين من الزمن وما حدث فيهما من تغييرات جذرية وعميقة في البنى النفسية والثقافية والاجتماعية والاتصالية لم يشهد تحيينا في معجمه أو ادواته او اجراءاته كي يواكب ما حدث في الذهنيات والعلاقات من نقل وطفرات بصرف النظر عن شرعية استمرار العمل به بعد الغاء القانون الذي منه ظهر.

3- لا يعرف منشور 91 وسائر المذكرات التي تناسلت منه بدقة الخطأ المدرسي أو السلوكي الموجب للتأديب عدا شذرات مبثوثة في فقره، ولا يجعل له ضوابط أو أركانا بما يعني أنه يعطي للادارة مجالا واسعا لتفريع سلطتها التقديرية في سياق نمذجة الحياة المدرسية، وتصنيف قائمة الممنوعات القولية والفعلية والسلوكية الموجبة للمؤاخذة، ومن ثمة اتخاذ اجراءات الزجر التي تراها مناسبة في تقديرها.

4 - لا يسند نظام التأديب المدرسي أي دور للمندوب الجهوي للتربية في جهته، قبل اتخاذ القرار التأديبي -و بعده، ويقصر دوره على رفع التظلمات الموجهة اليه الى الهياكل المركزية في الوزارة، او يقدم ملحوظات حولها إلى القضاء الإداري اذا طلبها منه في الوقت الذي يعرفنا الفصل 6 من الامر عدد 2205 لسنة 2010 المتعلق بهيكلة المندوبية الجهوية للتربية وضبط مشمولاتها... بأنّ المندوب (يمثل الوزير في جهته) ، وهذه التمثيلية غائبة أو صورية في رافد خطير من روافد المنظومة التربوية ألا وهو التأديب المدرسي.

5- سلطة التأديب المدرسي تستخف بحقوق الدفاع المكفولة في كل النظم القانونية، فهي غير خاضعة لسلطة رقابة إدارية مباشرة تتولى وبشكل دوري ومنتظم مراقبة أدائها وقرارتها، ولا توجد فيه درجة استئنافية عدا حالات معدودة يتظلم اصحابها إلى وزير التربية أو إلى القضاء الاداري.

6-  قرار احالة التلميذ على المجلس يتخذه المدير دون الرجوع -ضرورة- الى هيأة استشارية تدرس معه وجاهة القرار وموضوعيته، أو ثبوت الأخطاء في حق التلميذ المدان، وبالتالي فإن سلطة التأديب تحتكرها الادارة أو تحتكر جزءا كبيرا منها، بما يفتحها على معاني العسف والترصد والتشفي وغيرها...

7 - القرارات التأديبية التي يصدرها المجلس شبه نهائية، تخضع لسلطة الوزير والمحكمة الإداريّة، وغير قابلة للاستئناف او النقض ممن له المصلحة والصفة، بما يجعل احتمال التعسف او التنكيل فيها أو الانحراف بها عن اهداف التربية ومقاصدها امرا واردا، وفي صورة لجوء ولي التلميذ الى القضاء الاداري، فان اتصال القضاء يستغرق أشهرا تتبدد معها احتمالات اعادة بناء التلميذ لمساره الدراسي بصورة شبه عادية.

8- حصول اخلالات قادحة في الحياد فالاسرة التربوية تتضامن ضد التلميذ انتصارا للقطاعية خصوصا في المشاكل السلوكية التي تنشب بين تلميذ واحد المربين او الأعوان، ومن أسباب حصول ذلك أن القيم العام الذي يعد الملف التأديبي للتلميذ ويستجوبه ويجتهد في جمع ادلة إدانته هو نفسه مقرر المجلس واحد مقدمي المقترح التأديبي فيه، ومن المصوتين عليه.

9 - لا توجد مهل قانونية صارمة لتأمين حقوق الدفاع على شاكلة قانون التأديب الخاص بالاعوان العموميين الوارد في القانون عدد 122 لسنة 1983، المؤرخ في 12-12-1983 ، بحيث يكون الاجل المخصص للتلميذ كي يستحضر شهوده، او يجمع مستندات دفاعه خاضعة بدورها الى السلطة التقديرية للادارة وتمارسها أحيانا بشيء من المزاجية أو المنة.

10 - تمنع التراتيب السائدة في نظام التأديب المدرسي توكيل من يدافع عن التلميذ المحال على المجلس عدا المحامين ذوي الاجرة المرتفعة التي لا يقدر على دفعها أغلب اولياء التلاميذ.
كما ان ممثل القيمين في المجلس او استاذ القسم استشاريان، لا يسمح لهما بحضور المداولات، ولا يسألان عن رأيهما في القرار التأديبي المزمع إصداره.

11 - عدم خضوع اجراءات التأديب المدرسي الى مراجعات وتدقيقات تخص الشكل او الاصل في كل أطوارها، مثل التحري في شرعية المجالس من حيث تشكيلها، أو سلامة تركيبتها، او تأمين حقوق الدفاع كاملة للتلميذ، او سلامة تكييف الاخطاء تكييفا مدرسيا، أو درجة ثبوتها في حقهم، أو تحديد صناقة للزواجر في تناسبها مع الأخطاء...

12 - بطء اجراءات مراجعة القرارات التأديبية والتي تؤثر على المسار الدراسي للتلميذ، وعلى مستقبله برمته، حيث تمنح فرصة الاسعاف بالعودة الى الدراسة للتلميذ المرفوت بعد مضي وقت طويل ينفق في المحاكم، وفي أروقة الوزارة ومكاتب مسؤوليها.

13 - لا يسند النظام الحالي دورا فاعلا لخلايا العمل الاجتماعي، ولا يكون أعضاؤها حاضرين في تركيبة المجالس، كما يتجاهل تماما دور الاخصائي النفساني المدرسي، ودور المستشار في الاعلام والتوجيه المدرسي، والتفقد البيداغوجي وطبيب الصحة المدرسية رغم ان الواقع يشهد ان من يزجرون في مجالس التربية هم ضحايا اوضاع وضغوطات لا قبل لهم بها، بصرف النظر عن درجة مسؤوليتهم في ما يؤاخذون بسببه.

14 - لا يوجد في تقاليد التأديب المدرسي توجهات نحو تعديد الجلسات او اعتماد تأجيلات في ضوء طلب طرف من الاطراف، او لتعميق البحث، او لاستكمال معطيات، والواقع يشهد أن مجالس التربية ذات جلسات احادية تنتهي الى الفصل السريع في الحالات التأديبية رغم الشوائب التي قد تثار بسببها أو حولها.

15 - لا يعتمد نظام التأديب سوى الية الرفت، والرغبة الصادية في التخلص من التلاميذ وابعادهم عن المدرسة اما بشكل مؤقت او بشكل نهائي، وهذا غريب جدا في منظومة تربوية لا تحتوي الأخطاء الا بابعاد مرتكبيها سيما وأن كل المتدخلين التربويين يجمعون على ان مدرستنا منفرة، وطاردة لابنائها في ظل تسجيل عمليات هروب من مقاعد الدراسة تعد سنويا بالاف لمتسربين ومنقطعين ومرفوتين لغير الداعي التأديبي.
إن هذا النظام التربوي فاشل في الاحتواء ولا يفلح سوى في الرفت، ولا يوجد في معجمه اليات اخرى كفرض النقل من قسم الى اخر، او من مؤسسة الى اخرى،  ولا يلزم المخالف للنظام المدرسي بالعمل لساعات لفائدة المصلحة العامة او غير ذلك من الزواجر، وحري به أن يسمى مجلس الرفت وليس مجلس التربية...

16 - لا يخضع المجلس قراراته الى تقييمات من مختلف المتدخلين التربويين، ولا يسأل احدا عن مصداقية منجزه، أو مدى تناسب جرعة الزجر مع فداحة الاخطاء المرتكبة، وهو بهذه النرجسية والتمركز حول ذاته، ودورانه حول من بيده سلطة القرار يمثل صورة مكثفة لغرور السلطة وصلفها.

17 - مجلس التربية اختزل رسائله التربوية في الزجر، فلا نسمع مطلقا أن مديرا قد طلب عقد مجلس تربية لدراسة نتائج دراسية، او البحث في مستجد متعلق بالحياة المدرسية، أو تقديم استشارة تخص مؤسسة تربوية، او التنظيمات البيداغوجية، او التصديق على قائمة المكرمين في يوم العلم المدرسي من اعوان المؤسسة وعملتها رغم ان منشور 91 غير الشرعي يتحدث وبإسهاب عن تلك الأدوار المغيبة جهلا ومحدودية ادراك.

18 - منشور91/93 يتجاهل تماما تأطير الحياة المدرسية والحالات السلوكية في المرحلة الابتدائية، ويتركها مرسلة الى أنماط احتواء أكثرها غير تربوي وغير قانوني يراهن على المعلم او المدير الحامل لعصا، رغم أن تلاميذ الابتدائي سجلوا بدورهم اعدادا متزايدة من فترة الى اخرى من حالات الانفلات السلوكي، المتلبس بالاجرام أحيانا...

19 -المجلس من حيث تركيبته لجنة متعادلة أو متساوية يراد من تساوي تركيبته بين ممثلي الادارة وممثلي المدرسين تحقيق توازن في الرؤية، وشفافية في القرارات التأديبية وتنزيه لها عن معاني القسوة والترصد والتشفي، لكن هذا التساوي يفقد دلالته عندما يكون التلميذ خصما لبقية الاطراف التربوية التي كثيرا ما  تتضامن مع بعضها، ولا يجد التلميذ فيها نصيرا او سندا ويكون التناصف بلا معنى، وبلا جدوى، لأنه بين كهول وليس مع تلاميذ او من ينوبهم في صناعة القرار التأديبي...
إن التناصف الحقيقي يكون باسناد تمثيلية للتلاميذ في مجالس التأديب لضمان توازن حقيقي بين رؤية الادارة ووجهة نظر المربين من جهة، ورؤية التلاميذ من جهة أخرى مقابلة.

20 - لا يشير نظام التأديب المدرسي تصريحا او تلميحا إلى غرم الضرر الذي يمكن ان يسلط على المجلس اذا أثبت الطاعنون في قراراته أنه قد اجحف في حقهم، أو سلط عليهم عقوبة دون وجه حق، وهذا من الخلل العظيم، لان المجلس يمارس سلطة تقديرية يمكن ان تتلبس بالعسف والاجحاف والانحراف عن التراتيب النافذة، وتنتج عنه اضرار تخص مصير تلاميذ، ثم لا يكون لخطئه زاجر اذا استثنينا قرارات المحكمة الادارية في حال تعهدها بشكوى تامة الموجب.
ومع كل هذه العيوب، لا تكترث المنظومة التربوية بالمرفوتين تأديبيا، ولا تحمل لهم اي تصور لما بعد رفتهم باستثناء ولعها العارض باحصائهم وتصنيفهم.

البديل المنشود نظام تأديبي يتدارك العيوب السابقة ويحتويها.