لا يمكن للإدارة أن تعاقب أحد منظوريها بناء على تهمة غير ثابتة في حقّه ثبوتا كافيا، وعبء إثبات الخطأ محمول عليها.
ومن أمثلة ذلك اعتبار مجرد وقوف الأعوان العموميين في المحكمة شاهدين أو شاكين أو مشتكى بهم دليل اقترافهم ما يسيء إلى سمعة الوظيفة العموميّة وهيبة الدّولة، وهذا التوجّه عار عن الشرعيّة لأن الإدانة لا تكون إلا بدليل واقعي، وهو إدانة تصدر عن القضاء المتعهّد بعقوبة صريحة للعون المدان، ولا عبرة أن تكون العقوبة بدنية أو مالية أو تكمليليّة، فالمعتبر فيها هو جوهر الإدانة، وثبوت التّهمة.
ومن المسؤولين الإداريين من يوسّع مفهوم الشبهة الوارد في الفصل الثالث من قانون الوظيفة العمومية ليجعل مجرد المثول أمام المحاكم موجبا للتّأديب الإداري بصرف النظر عن مخرجات النظر القضائي بدعوى استقلال المسارين التّأديبي والجزائي عن بعضهما، ومن الضروري الإشارة إلى ما يلي:
1- استقلال المسارين الإداري والجزائي يعني حق الإدارة في تتبّع منظوريها من خلال فتح أبحاث في حقّهم، والتّحقيق معهم وتكييف تهمهم، وإصدار قرارات زجرية في حقهم، بشكل مستقل تماما عن التتبّع الجزائي ومخرجاته، وفي هذه الحالة فإن الإدارة مدعوة إلى إثبات خطأ منظورها قبل تأديبه، والاثبات يكون بأدلة إدانة كافية.
2- المثول أمام القضاء ليس دليل إدانة، ولو كان كذلك لجازت مؤاخذة الأعوان العموميين الذين يمثلون أمام القضاء في قضايا الطلاق والنفقة وإثبات النّسب وقسمة التركات، وقضايا التّأمين ونزاع الجمعيات والأحزاب السياسية... مما يغدو معه الأمر فاقدا لكل معقولية. وإذا كان أولئك يؤوّلون النصّ القانوني في مدلول الشبهة فإنّنا نذكرهم بضوابط تأويل النصوص القانونية الواردة في مجلة الالتزامات والعقود التونسيّة، ومن أبرزها أن تأويل النصوص العامّة ينبغي أن يوجّه إلى التّخفيف والتّيسير وليس إلى التّشديد.
3- الاشعارات التي ترسلها إدارات السجون والمحاكم إلى وزارة التربية لإبلاغها عما حصل لمنظوريها من تتبعات وإيقافات ليس مبررا للتّأديب طالما أن الايقاف أو التتبع لم ينته بحكم قضائي يتضمن إدانة صريحة.
4- الشبهة هي اللوثة الواقعة فعلا في سيرة العون العمومي، وليس الشك والتخمين في حقيقة ارتكابه ما يسيء إلى هيبة الدّولة ومصداقيتها.