مضامين شعر الحماسة :
نقلا عن صفحة فايسبوك: دروس العربية لتلاميذ الرابعة آدابا.
مفهوم كلمة حماسة :
- حَمُسَ الْمُقَاتِلُ : شَجُعَ .( معجم المعاني)
- حمِس الرَّجلُ في كذا : تشدَّد فيه (حمِس الرجلُ في القتال) (معجم المعاني )
- الحماسة : المنع والمحاربة ( لسان العرب )
- تحامس القوم تحامسا وحماسا : تشادوا و اقتتلوا( لسان العرب )
- حمْس و حميس : معناه شدة و شجاعة . ( لسان العرب )
نستخلص من هذه الشروح المعجمية أن كلمة " حماسة " تنتمي إلى الحقل المعجمي المتعلق بالحرب و القوة و الشجاعة .
و المقصود بـ" شعر الحماسة " هو كل شعر يدور فيه الخطاب حول الشجاعة الحربية ، و حسن البلاء في القتال ، و تصوير المعارك ، و مدح الأبطال ،
و الإشادة بأعمالهم فيها ، و وصف العدة الحربية من سلاح و خيل ... و هجاء الأعداء و السخرية منهم ، و تحميس الجنود قبل ملاقاة العدو ، و تثمين النصر
بعد انتهاء المعارك ، و رثاء القتلى من الأبطال ...
و لهذا الضرب من الشعر موضوعات كثيرة لا تقع تحت حصر ، و قد ظهرت في الشعر العربي بمختلف أغراضه منذ العصر الجاهلي ( مدح - فخر - رثاء - هجاء - غزل ...).
و ازدهر شعر الحماسة في الفرنين الثالث و الرابع للهجرة لكثرة الحروب التي خاضها المسلمون ضدّ الروم البيزنطيين في البر و البحر ؛ و كانت تسمى عند المسلمين بالفتوحات
أو حروب الجهاد ، و كانت عند الروم النصارى تسمى بالحروب الصليبية ( les croisades ) أى حروب الدفاع عن الصليب و توسيع رقعة انتشار النصراتية ..
و لم يكن الشعراء العرب يخصصون للحماسة قصائد مستقلة ، بل كانوا يوردون شعر الحماسة في شكل مقاطع قد تطول و قد تقصر في ثنايا قصائد في المدح أو الفخر أو الهجاء أو الرثاء ...
========
) وصف القوة العسكرية .
من أبرز المحاور التي يدور عليها شعر الحماسة في تراثنا الأدبي تمجيد القوة بكل أنواعها و مظاهرها سواء المادية منها أو المعنوية . و المادية تتجلى في مظهرين
اعتنى الشعراء بتصويرهما و تفننوا في وصفهما أيما تفنن . و أولهما القوة العسكرية التي بها تنجز الأعمال الحربية و تحقق الانتصارات.
وتتمثل القوة العسكرية في كثرة العدد و جودة العدة ، أي في كثرة الجيش و جودة السلاح و تمامه . و قد تنافس الشعراء منذ الجاهلية في وصف الجيوش و معداتها
وصفا يتسم بالمبالغة و الغلو . فهذا أبو تمام يصف جيش المأمون فيقول :
فنهضتَ تسحب ذيل جيشٍ ساقه *** حسنُ اليقين و قاده الإقدامُ
مُـثْـعَــنْـجِـرٍ لَـجِــبٍ تـرى سُلاّفَــهُ *** و لهم بمنخرق الفضاء زحام
وإليك شرح غريب ألفاظه لتفهم معانيه : المثعنجر هو السيل القوي المتدفق و قد شبه به الجيش السائر نحو أرض العدو . و اللجب هو ما ارتفعت أصواته و اختلطت
فصارت كالدويّ و هذا أيضا كناية عن الكثرة . و سلاف الجيش مقدمته ، و منخرق الفضاء هو ما اتسع منه. و ملخص المعنى أن مقدمة جيش الممدوح لا يتسع لها
الفضاء الواسع لكثرة عددها، و هي صورة جميلة قائمة على الكناية ، استغلها كثير من شعراء الحماسة في وصف الجيوش كقول المتنبي يصف جيش الروم الذي هزمه
جيش سيف الدولة الأمير الحمداني :
خميس بشرق الأرض و الغرب زحفه *** و في أذن الجوزاء منه زمازم.
فالخميس هو الجيش التام المكون من خمس فرق : مقدمة و مؤخرة و ميمنة و ميسرة و قلب . و هذا الجيش الزاحف يملأ شرق الأرض و غربها لكثرة عدده ، و يتصاعد
دويّه إلى عنان السماء (فتسمعه نجوم الجوزاء )، و كلها كنايات تعبر عن معنى كثرة العدد و سعة الانتشار .
و هذا مثال آخر لوصف الجيش من شعر المتنبي :
جيش كأنك في أرض تطاوله *** فالأرض لا أمم و الجيش لا أمم
إذا مضى علم منـها بدا علم *** و إن مضــى علم منه بدا علــم
فالشاعر تخيل منافسة في الطول بين الجيش و الأرض دلت عليها صيغة فاعل في " تطاوله " فكلما امتدت الأرض و اتسعت أرجاؤها ملأها الجيش لكثرته .
فانظر كيف استعمل الشاعران نفس الكناية ( الجيش يملأ الأرض لكثرة عدده) لكن المتنبي كان أقوى خيالا و أبلغ صورة لأنه شخص الأرض فجعلها تنافس الجيش في
الاتساع فلا تغلبه .
) وصف القوة العسكرية ( تابع 1)
و من مظاهر القوة العسكرية المادية ما يحمله الجيش من عتاد حربي و ما يركبه من جياد مدربة . و قد وصف شعراء الحماسة العتاد الحربي و الخيل وصفا دقيقا مفصلا
. و أبدعوا في وصف الحُصُنِ خاصة باعتبارها جزءا من الآلة الحربية الفعالة التي بها يتحقق النصر . فقد تفنن المتنبي في تصوير خيل سيف الدولة الحمداني معتمدا
أسلوب الكناية في التصوير كقوله :
فهُنّ مع السِّيدَانِ فِي البَرِّ عُسَّلٌ *** و هن مع النِّينَان في المَـاءِ عُوَّمُ
و هنّ مع الغزلان في الواد كُمَّـنٌ *** و هن مع العقبان في النِّيق حُوَّمُ
فهي تقطع الصحاري بسرعة الذئاب ، و تسبح في الأنهار كالحيتان ، و تكمن في الأودية كالغزلان ، و تصعد إلى أعالي الجبال كالعقبان . فتبلغ الأعداء حيثما كانوا فلا
تعصمهم منها جبال و لا صحارى و لا بحار لكأنها دبابات الجيوش الحديثة القاهرة لكل العقبات و التضاريس الوعرة . و انظر كيف احتفل الشاعر بالإيقاع الداخلي
فنوَّع مولداته و منها الترصيع ( و هو في الشعر كالسجع في النثر ) بحرف النون (سيدان / نينان / غزلان / عقبان ) و الجناس الصرفي بترديد ميزان " فُعَّلٌ" في عُسَّل /
كُمَّنٌ/ حُوَّمٌ / عُوِّمٌ. هذا بالإضافة إلى التوازي التركيبي بين الصدر و العجز( تكرار نفس التركيب في الصدر و العجز ) . هناك إذًا تكامل بين الصور الشعرية المؤسسة
على شبكة من الكنايات ، و عناصر الإيقاع الداخلي لخلق خطاب شعري مؤثر في المتلقي. فكأن الشاعر يتغنى بقوة الممدوح الخارقة للمألوف .
و الخيل توصف عادة بالنشاط و الصلابة لذلك كثر استخدام الصفات المشبهة الدالة على هاتين الصفتين فهي عتاق صلادم ، و هي شُزَّب ضوامر ، و كثر تشبيبها بالنسور
و العقبان في انقضاضها على الفرائس ... و في نصوص الكتاب المدرسي شواهد كثيرة على ما نقول .
و الخيول ليست وسيلة نقل فحسب تحمل الجند إلى بلد العدوّ بل تشارك في الحرب ، و تساهم في البطش بالأعداء فتدوس جثثهم و تحطم رماحهم بحوافرها كما في قول المتنبي :
يطأن من الأبطال من لا حملنه *** و من قِصَدِ المُرَّان ما لا يُقوَّمُ,
و قصد المرَّان هي الرماح .
وصف القوة العسكرية ( تابع 2)
وصف السلاح كمظهر من مظاهر القوة المادية في شعر الحماسة :
إن صورة البطل الحربي لا تكتمل إلا بكمال سلاحه و جودته ، لذلك اهتم شعراء الحماسة بوصف أنواع السلاح الجيد في معرض وصفهم المعارك الحامية
و أبطالها المغاوير . فذكروا السيوف و الرماح و الِقسِيَّ و السهام و الدروع و النبال . ذكروها بأسمائها و صفاتها التي هي معايير جودتها .
و السيف هو أنبل الأسلحة ، و أعلاها قيمة ، و أقربها إلى نفس صاحبه ، و استعماله أدل على الشجاعة و البأس من استعمال غيره من الأسلحة، لذلك حظي
من الوصف بأوفر نصيب . فهو أداة النصر و مفتاح البلدان المستعصية على الفاتحين ، و في ذلك يقول المتنبي : ومن طلب الفتح الجليل فإنما *** مفاتيحه
البيض الخفاف الصوارم . و البيض الخفاف الصوارم هي السيوف الصقيلة اللامعة الخفيفة القاطعة . و اعتبر أبو تمام السيف رمزا للقوة الحربية و أداة لصنع
الانتصارات الباهرة فقال فى مطلع قصيدته في فتح "عمورية " : السيــف أصدق أنـباء مـن الـكـتـب *** في حده الحد بين الجد و اللعب.
بيض الصفائح لا سود الصحائف في *** متونـهن جلاء الشـك و الـريـب. و للسيف أسماء و صفات عديدة يصعب حصرها و منها : المهنّد و المشرفيّ و الصارم
و الباتر و الصَّيْقل و الأبيض و المِخْدَمُ...
و يأتي الرمح في المرتبة الثانية من الأهمية فهو أداة الطعان إذا حمي وطيس القتال ، و تقاس جودته بصلابة قناته و حدّة سنانه ، و له من الأسماء الرمح و السنان ،
و من الصفات الأصم و المقوّم و الأسمر و السمهري ... و ما ذكر الطعان إلا ذكر اسم من أسماء الرمح أو صفة من صفاته . و ما وصف جيش إلا ذكرت كثرة
رماحه كقول أبي الطيب في مدح سيف الدولة بعد انتصاره على الروم في معركة الدرب : صدمتهم بخميس أنت غرته *** و سمهريته في وجهه غمم . فالجيش قد
شرع الرماح فهي كالشعر الذي يغطي جبين صاحبه .
و وصف الشعراء الدروع أيضا لما لها من أهمية في وقاية المقاتل من ضرب السيوف و طعن الرماح و وقع النبال فقال المتنبي مفتخرا :
مفرشي صهوة الحصان ولكنْ *** نَ قميصي مسرودةٌ من حديد
لأمةٌ فـاضـةٌ أضـاةٌ دلاصٌ *** أحـكـمـت نـسـجـها يــدا داود
وصف درعه الحديد فقال: لأمةٌ: أي ملتئمة الصنعة، مجتمعة ، فاضةٌ: سابغة ، أضاةٌ: أي صافية. وهي صفة الغدير شبهها به لصفائها وزرقتها كالماء الذي في
الغدير. دلاصٌ: أي براقة. أحكمت نسجها: يدا داود: أي هي من عمل داوود عليه السلام، وهي أوثق ما تكون من الدروع؛ لأنها مسرودة غير مسمورة، وهذا غاية
ما يمدح به الدرع.
و من شعراء الحماسة من اشتهر بوصف السفن الحربية باعتبارها أداة فعالة للجهاد في البحر . فابن هانئ قد وصف حرّاقات المعز لدين الله الفاطمي وهي مراكب
حربية يعبر اسمها عن وظيفتها في إحراق سفن العدو بالنفط فقال :
مـن الطـير إلاّ أنهـن جـــــوارح *** فليس لها إلا النفوس مصيد من القادحات النار تضرم للطلى ***
فليس لها يوم اللـقاء خمود . فهي سفن عظيمة تكاد لسرعتها تطير كما تطير الكواسر من الطيور ولا فرائس لها إلا أرواح الأعداء ،
و هي ترميهم بنارها التي لا تخمد فتحرقهم وتضرم النار في سفنهم.
======
أسباب ازدهار شعر الحماسة في القرنين الثالث و الرابع للهجرة .
ازدهر شعر الحماسة في هذين القرنين ازدهارا كبيرا لأسباب متعددة نذكر منها :
- قوة الإمبراطورية الإسلامية في هذين القرنين( العصر العباسي الذهبي ) و لا سيما في عصر هارون الرشيد (170 هـ - 194 هـ ) و المأمون (195 هـ - 218 هـ )
و المعتصم ( 218هـ - 227 هـ ) و بعض خلفاء الدولة الفاطمية الشيعية في المغرب الإسلامي ( كالمعز لدين الله الفاطمي ).
- حدة الصراع بين المسلمين و البزنطيين (الروم) في نطاق ما يسمى بالحملات الصليبية على العالم الإسلامي . فقد كانت الحرب سجالا بينهم .
- الفتن الداخلية في الإمبراطورية العباسية و تجييش الخلفاء الجيوش الجرارة لإخمادها و لا سيما فتنة الخرمية التي دامت أكثر من عشرين سنة حتى قضى عليها المعتصم سنة
223 هـ .
- بروز أعلام في الشعر العربي ملؤوا الدنيا و شغلوا الناس مثل أبي تمام و المتنبي و ابن هانئ ، و لهم ولع شديد بالحماسة و وصف المعارك .
ملاحظة : هذه المعلومات العامة ضرورية لفهم شعر الحماسة و كتابة مقدمات للمقالات .