هذا السؤال فرضته علي حالة أطلق عليها بمسؤولية "فاجعة" حصلت في إحدى مؤسساتنا التربوية، حيث أحيل 03 مدرسين على القضاء الجزائي بتهمة الاعتداء البدني على تلميذ حال كونه طفلا، وبعد اطلاعي على الملف التأديبي للتلميذ المعني ثبت لي ما يلي:
* رفت التلميذ أكثر من مرة رفتا نهائيا لمخالفات سلوكية وأسعف بالعودة إلى الدراسة.
* والداه أججا فيه روح التمرّد بدل احتوائه وتدجينه، وشاركاه في الاعتداء اللفظي والبدني على مربين.
* التلميذ عاث في المدارس التي درس فيها فسادا، وارتكب كل أنواع الاعتداءات، ومنها:
... جاهر بالبذاءة.
... جاهر بسب الجلالة في الحرم المدرسي وعلى مسمع من تلاميذ ومربين.
... عطل سير الدرس مرات عديدة، وأقصي من القسم بسببها دون جدوى.
... تحرش بأستاذة في القسم على مسمع من التلاميذ.
... اعتدى لفظيا على عاملة في المدرسة.
... اعتدى لفظيا وبدنيا على تلاميذ وعلى مربين في أكثر من مناسبة.
... اعتدى على أملاك المؤسسة وأتلف وثيقة رسمية.
... اعتدى على أملاك خاصّة لمدرسين.
... تطاول على اعضاء مجلس التربية عند احالته على المجلس.
وتجاوزات أخرى كررها في كل مؤسسة يوجه إليها بعد اسعافه .
الغريب في الأمر أنني قد تساءلت:
1 ـ أين خلية الاصغاء ؟ أم أن كل منجزها وهمي ؟
2- أين خلية العمل الاجتماعي ؟ أم هي مثبتة على لوحة قيادة الادارة فقط.
3 - أين خلية التوفيق المدرسية ؟
4 - أين الاخصائي النفساني ؟
5 - أين مندوب حماية الطفولة ؟
6- أين المديرون الذين اكتفوا بتسجيل المخالفات وتضمين الشكاوى والتقارير في ملفه التأديبي ؟
7 - كيف يسعف بالعودة إلى الدراسة وهو ليس قادرا على الانضباط لقواعد العيش الجماعي في المؤسسات التربوية العمومية، واحترام قوانينها المدرسية ؟
هذا طفل جانح وضحية عوامل خارجية تخص الاسرة والاقران والبيئة الاجتماعية، ولم يجد في هيئات الرعاية سابقة الذكر عونا... وبالتالي فإنه يحتاج مرافقة وعلاجا نفسيا وزجرا جزائيا وهو في حالته تلك غير مؤهّل للانتساب إلى مؤسسة تربوية عاديّة، وإنما يوجّه - طوعا أو قسرا ـ إلى مؤسسات مختصة في احتواء الحالات الشبيهة بحالته، وبالتالي واعتبارا لما سبق، وتوقيا من حالات قادمة نوجّه إلى ما يلي:
على مديري المؤسسات التربوية:
1- رصد بوادر السلوكيات الجانحة.
2 - اعتماد بنك معلومات حولها.
3 - تفعيل الدور التربوي للقيمين وقد أثبتت التجارب أن لهم باعا وذراعا في ذلك.
4- توثيق حالات الطفولة الجانحة توثيقا دقيقا (تقارير / شهادات / استجوابات...).
5- دعوة المندوب الجهوي للتربية إلى تكليف أخصائي نفساني بالمتابعة المنتظمة لمن تظهر عليهم علامات الجنوح.
6 - التنسيق مع المندوب الجهوي للتربية لإعلام مندوب حماية الطفولة والنيابة العمومية بحالة طفل جانح، ومدّها بالمستندات الكافية بما في ذلك تقرير الاخصائي النفساني.
7 - تحريك دعاوى قضائية استعجالية ضدّ الأولياء الذين يثبت أنهم يشجعون الطّفل الجانح على التمرّد على القوانين المدرسية وعلى قواعد العيش الجماعي، أو يثبت منهم التقصير في رعاية منظوريهم أو في متابعتهم أو في كبح جماحهم على معنى الفصل عدد 30 من مجلة حماية الطفل.
ومن المفيد أيضا التأكيد على التالي:
أ - المدارس والمعاهد العمومية مقيسة في فضاءاتها واعوانها وتنظيماتها البيداغوحية، ونظامها التأديبي وامتحاناتها... على تلاميذ أسوياء، وبالتالي فهي تتجاهل ظاهرة الجنوح، أو أنها تكتفي بمعالجة نتائجها دون الاستناد الى استراتيجية علمية في التعاطي مع أسبابها ومظاهرها ونتائجها في اطار قراءة شمولية وجدلية.
ب - عدم وجود اليات لدمج الجانحين، وتطويع التربية ونظمها لحاجياتهم الحقيقية، مما يجعلهم دائمي التمرد على منظومة لا يجدون فيها توازنهم، وعليه فإن مجرد الاستناد إلى "قاعدة" الزامية التعليم لمن هم دون 16 عاما ذريعة لاعادة قيدهم رغم انهم قد أثبتوا عدم قدرتهم على الاندماج الإيجابي في المنظومة العمومية، وبالتالي فإن الازمة قد أعيد إنتاجها.
ج - إن تحول الجنوح الى ظاهرة، وتواتر الاعتداءات على المربين وعلى الفضاءات التربوية يجعلنا مطالبين بالتسريع ببعث خلايا ازمة محلية وجهوية ووطنية لمتابعة هذه الحالات قبل استفحالها، وذلك برصد علاماتها المبكرة، منذ المرحلة الابتدائية ورسم خطة استباقية لاحتوائها وتوجيهها باقتراح حلول ومعالجات ومتابعات مناسبة لها، ومؤازرة المربين المتضررين منها، فلا يعقل أن يكونوا ضحايا لجانحين لا مسؤولية لهم في جنوحهم.
_________________
*
الومضات الإشهارية لست من يبثها، ولا قدرة لي على تحييدها، فعذرا لكل الأعضاء والزوار..