نعم، هذا وارد، ويقبل ممّن له صفة أو مصلحة في التّجريح.
نعني بالتّجريح الطّعن في حياد الباحث وفي موضوعيّته في عمليّة البحث، وإثبات التّهم وتكييفها، تبعا لقادح موضوعي يمكن إثباته، ولا يوجد نصّ قانوني يجعل الباحث الإداري محصّنا من التّجريح، إذا توفّر القادح الموضوعي في حياده، أو في نزاهته، وعلى المجرّح، وهو -ضرورة - ممّن يشملهم البحث الإداري، أن يوجّه عريضة مع إشعار بالتّسلّم، ويعرّف فيها بنفسه وبصفته، ويعرّف أيضا بالباحث المطعون في حياده، ويقدّم فيها طعونه، أو تحفّظاته على الباحث الإداري سواء كان متفقّدا إداريّا وماليّا، أو أحد مسؤولي المندوبيّة الجهويّة للتّربية. ويرفق الطّاعن عريضته بوثائق إثبات كافية للطّعون التي يثيرها، ويوجّهه إلى الجهة التي أذنت بفتح البحث الإداري:
 وزير التّربية في مثال المتفقّد الإداري والمالي.
 المندوب الجهوي للتّربية في مثال المسؤول الإداري المكلّف بالبحث.
يكون التّجريح وجيها ممّن له الصّفة والمصلحة، وفي إحدى الحالات التّالية:
 وجود خلاف شخصي سابق بينهما.
 تحرير الباحث شكوى ضدّه في القضيّة المتعهّد بها.
 الشّهادة ضدّه في البحث.
 وجود قرابة بنسب من جهة الأصول أو الفروع، أو قرابة مصاهرة مع أحد خصوم الطّاعن.
 وجود مصالح ماديّة مشتركة بين المتعهّد بالبحث، وضدّ الطّاعن.
كما يمكن الاستئناس في مادّة التّجريح، وما يجرّح به الباحثون الإداريّون، بأحكام مجلّة المرافعات المدنيّة والتّجارية ، وبأحكام مجلّة الشّغل ، لتعليل التّجريح في الحياد، مع التّأكيد على أنّ ما صحّ مجرّحا في السّلطة القضائيّة، من باب أولى وأحرى أن يصحّ مجرّحا في باحث إداري.

وبالجملة، فإنّ التّجريح يكون كتابيّا، ومرفقا بالحجج المبرّرة للتّجريح تبريرا كافيا، ويودع في مكتب الضّبط المركزي بالمندوبيّة مقابل وصل استلام، بالنّسبة إلى أبحاث تنجزها المندوبيّة، وإلى التّفقّديّة العامّة الإداريّة والماليّة بوزارة التّربية، مع إشعار بالتّسلّم، بالنّسبة إلى أبحاث يتعهّد بها متفقّد إداري ومالي.
ومن واجب الجهة التي أذنت بفتح البحث دراسة عريضة التّجريح والردّ عليها إمّابـ:
 تغيير الباحث الإداري، وفتح بحث في عدم تصريح الباحث بما يقدح في نزاهة مهمّته وحيادها.
 الإذن بمواصلة البحث، وفتح بحث إداري ثان في المجرّح لتأديبيه لداعي " تعطيل بحث إداري".
 إعادة البحث الإداري بعد إنجازه، في صورة الاقتناع بوجاهة التّجريح، ترميما للجانب الشّكلي فيه، وضمانا لشرعيّة ما يتأسّس عليه من قرارات إداريّة.
أمّا سكوت الإدارة عن عريضة التّجريح فيدلّ على:
 تغطية الإدارة على أخطائها، وعلى أخطاء منظوريها.
 تعمّد اقتراف أخطاء إجرائيّة تبطل تاليا ما يتأسّس على مخرجات البحث من قرارات إداريّة.
 تحويل الإجراءات التّأديبيّة عن مسارها الموضوعي إلى سلوك يتلبّس بإضمار الرّغبة في الإضرار بالعون.
ونوجّه إلى أنّ مكتوب التّجريح:
 لا يوقف البحث الإداري آليّا.
 ولا يسوّغ لمن يشمله البحث الامتناع عن تقديم الإفادة.
ويبقى البتّ في التّجريح إلى من كلّف الباحث بالبحث، وفي صورة عدم الإجابة عن التّجريح فإنّ المُجرِّح لا يتظلّم إلى القضاء الإداري إلا بعد صدور قرار إداري في ضوء مخرجات البحث الطّعين، وفي حياد ونزاهة من قام به، لأنّ من شروط سلامة الدّعوى شكلا استنادها إلى قرار يراد الطّعن فيه.