تفاجأ العاملون بالمدارس الإعدادية بصدور المنشور الوزاري المتعلق بقرارات مجالس الأقسام للثلاثي الثالث للسنة الدراسية 2021-2022 والذي تضمّن وعلى خلاف كل المناشير السابقة الواردة في الغرض حذفا لمقياس "السيرة والمواظبة" من شروط الإسعاف. وهو أمر قوبل بامتعاض شديد من المدرّسين وعاشت الاجتماعات الخاصة بمجالس الأقسام توترا كبيرا في أكثر من مؤسسة تربوية حيث أصرّ البعض على عدم اعتماد مقياس السيرة والمواظبة في قرارات ارتقاء بالإسعاف لتلاميذ تعلقت بهم غيابات كثيرة ومسترسلة أو شابت ملفاتهم التأديبية عقوبات بالرفت المؤقت. بل توقّفت المداولات ولو حينيا في أكثر من إعدادية بطلب من بعض المدرسين الذين طالبوا رئيس المؤسسة بالاستفسار القانوني عن الوضعية واعتبروا عدم تفعيل شرط السيرة والمواظبة تشجيعا للتلاميذ على سوء السلوك والتغيب غير الشرعي وتحصينا لهم ضد اية مؤاخذة مستقبلا.
للرد القانوني على أي استفسار في هذا الصدد ، يجب التعامل مع المنشور الخاص بقرارات مجالس الأقسام باعتباره وثيقة قانونية. إذ تضمّن الجدول الخاص بالإسعاف في المدارس الإعدادية (7و8و9 أساسي) الإشارة إلى ضرورة توفّر شرطيْن اثنين معا وهما "الحصول على معدّل سنوي بين 9.00 و 9.99 والقدرة على استيعاب برامج المستوى الموالي".
وفي قراءة مجتزأة للمنشور يمكن القول بان النص الوزاري قد أبطل العمل بشرط السيرة والمواظبة ولكن باعتماد قواعد القراءة القانونية السليمة للنصوص وضوابطها العامة الحريصة على احترام مدلول النص في كليّته وتناسبه مع بقية النصوص ذات الموضوع الواحد يتبيّن لنا انّ المسارعة بإلغاء العمل بشرط السيرة والمواظبة فيه تعسّف على النص القانوني.
وبالرجوع للمنشور موضوع التعليق، يتبين ان ديباجة النص تضمّنت المراجع القانونية المعتمدة في إصداره. اذ تمت الإشارة الى جميع المناشير الوزارية السابقة (بالعدد والتاريخ) المتعلقة بقرارات مجالس الاقسام. وعلى عكس المنشور الحالي، كان النص فيها صريحا وواضحا لا لبس فيه على اعتماد شرط السيرة والمواظبة في قرارات الإسعاف. وبما أنّ المنشور الحالي لم يتضمّن عبارة " هذا المنشور يلغي المناشير السابقة الواردة في الغرض". وحيث أنّ كل المراجع تتساوى في القوة القانونية (مناشير وزارية) فلا يجب المفاضلة بينها او الميل في قراءتها الى ترجيح التعارض. لو كان في ذهن الوزير إلغاء اعتماد شرط السيرة والمواظبة لتم التنصيص على ذلك صراحة ودون لُبْس. إذ لا اعتبار للنسخ الضمني في النصوص القانونية إذا كانت في نفس الدرجة التراتبية.
وعمليا لا يمكن مثلا تصور انّ تلميذا أحيل على مجلس التربية من اجل مضايقة أحد أعضاء الأسرة التربوية ثم يسارع أعضاء مجلس القسم الى إسعافه بالارتقاء. ولمّا كانت المداولات تتضمن وجوبا جلب ملفات التلاميذ المعنيين بالاسعاف وعرضها على اعضاء مجلس القسم، فما جدوى جلب الملف المدرسي للتلميذ لو تم فعلا الغاء العمل بشرط السيرة والمواظبة؟
ان القراة اللصيقة بالنص دون فهمه في اطار النصوص السابقة تؤول بنا إلى تأويل سقيم للنص وتعسف على مراد المشرّع كما أن التعامل مع المنشور يجب ان يكون في إطار رؤية شاملة للعملية التربوية. وعلى رئيس المؤسسة النبيه تجنب الوقوع في مواجهة مع منظوريه المدرّسين.
بالنسبة لمعيار المواظبة، لا يمكننا ان نتصور مثلا ان تلميذا تغيب عدة اسابيع غيابات بعضها شرعي وبعضها غير شرعي (مع الاشارة هنا الى التساهل الحاصل في منح بطاقات الدخول لمن هم دون الـ16 سنة وحتى لغيرهم) قادر على استيعاب برامج المستوى الموالي. فمقياس المواظبة لا يمكن فصله عن مقياس القدرة على استيعاب برامج المستوى الموالي. وحتى مقياس السيرة في علاقة مع الرفت المؤقّت الصادر عن مجلس التربية، فان الغياب وإن كان شرعيا في هذه الحالة فان يترتب عنه عدم قدرة على استيعاب دروس السنة الحالية ناهيك عن برامج المستوى الموالي.
لا بد من الإشارة ختاما الى أنّه وبمناسبة الامتحان الوطني الخاص بالبكالوريا او شهادة ختم التعليم الأساسي العام فانه يطلب من القائمين على المؤسسات التربوية موافاة الوزارة برمز السيرة ليتم اعتماده في الإسعاف علما وان النصوص الخاصة بالامتحانات الوطنية أكثر تفصيلا من المناشير الوزارية العادية ناهيك وانها اقوى في حجيتها منها.
وخلاصة القول فان شرط السيرة والمواظبة وإن لم يكم منصوصا عليه صراحة في المنشور الاخير المتعلق بقرارات مجالس الاقسام، فان الذوق القانوني والقراءة السليمة للنصوص المعتمدة وغير الملغاة والمراد العام للمشرع في علاقة بالمشروع التربوى الوارد في القانون التوجيهي والامر المنظم للحياة المدرسية يدفعنا بصفة ضمنية آكدة الى اعتماد ذلك المقياس في قرارات الاسعاف تجنبا لتوتير الاجواء داخل المجالس وحتى لا يفهم ان جهة رسمية تشجع على سوء السلوك او التغيب داخل المؤسسات التربوية.