هذا سؤال طرحه علينا الأستاذ أحمد بوعوني، وللأمانة نذكّر قراء منشوراتنا، وزوّار منتدانا بأن الأستاذ أحمد بوعوني قد سبقني إلى هذه الثقافة القانونية فهو موثّق جيّد للنصوص القانونيّة، ومبوّب ماهر لها، وله منشورات قيّمة تعتمدها وزارة التربية بصفة رسميّة، وتوثّقها لدى إطاراتها ومسؤوليها، وقد عرّفنا ببعضها في منتدانا الحالي.
سكتت المناشير المنظمة لمجالس أقسام آخر السّنة الدّراسيّة عن هذه الجزئيّة المهمّة (تصويت المدير والقيم العام في الإعدادية على قرارات مجلس القسم) والتي سبّبت في كثير من المدارس الاعدادية إشكاليات قانونيّة وأحيانا علائقيّة وخصومات، إذ تشنّجت أطراف إمّا مدافعة عن حقّ القيّم العام في التصويت على قرارات المجلس، أو متحفّظة عليه وكذا بالنّسبة إلى المدير، وطالما أن النصّ القانوني قد سكت فإنّ الاحتكام إلى العرف التربوي يصبح مشروعا ومبرّرا عملا بأحكام مجلّة الالتزامات والعقود التونسية التي تجيز العمل بما تعارف عليه النّاس، طالما أن ما تعارفوا عليه لا يعارض نصّا قانونيا صريحا ومعمولا به.
ونؤسس لموقف العرف التربوي من المسألة ببعض المبادئ أو المسلّمات التي يعرفها أهل التربية والقائمون عليها:
1 ـ التّصويت لا يتعلّق إلا بحالات التلاميذ المزمع اتّخاذ قرار "الارتقاء بالاسعاف" في حقّهم، لأنه لا تصويت على من لم يدخل بمعدّله السنوي منطقة الاسعاف (دون 9 من 20)، ولا تصويت كذلك على من حقّق ارتقاء بالجدارة (10 فما فوق)، وبالتّالي فإن التّصويت يتعلّق خاصّة بشهادة المدرسين في قدرة التلميذ على الاستفادة من الارتقاء في ما لو أسعفوه بالارتقاء، أو الاستفادة من الرسوب إذا تحفّظوا بأغلبيتهم على اسعافه بالارتقاء.
2 ـ الأمر عدد 1257 لسنة 2007 يتحدّث عن حسن إعداد المدير للمجالس، ويتحدّث الأمر 2522 لسنة 2013 عن مساعدة القيم العام للمدير في حسن إعداد مجالس الأقسام، ولا يتحدث الأمران تلميحا أو تصريحا عن مسألة التّصويت.
3 ـ الاسعاف ليس حقّا وإن توفّرت شروطه، ومن شروطه التي تكررها المناشير ذات الصّلة، انتظام المواظبة، ونقاء السيرة من قادح فادح، ولا يكون ذلك إلا بالرجوع إلى بطاقة السيرة والمواظبة، التي يشرف على تحيينها القيم العام الخارجي، وبالتالي فإنّ حجب حق الاسعاف لداعي عدم الانتظام في المواظبة أو لسوء السلوك، مستفاد مما وثّق في بطاقة السيرة والمواظبة بصرف النّظر عن موقف القيم العام من رسوب التلميذ أو اسعافه بالارتقاء، وهذا دليل على أن القيم العام لا يصدر موقفا مباشرا حول قرار المجلس، وإنّما تنطق بذلك الوثيقة الادارية، ونعني بها بطاقة السيرة والمواظبة.
4 ـ قدرة التلميذ على استيعاب مقرر العام الموالي، أو حاجته للرسوب لتعميق تعلماته وترسيخها، قرار ذو صبغة بيداغوجية صرفة، يحسن بالمدير والقيم العام عدم إبداء الرأي فيهما، وفسح المجال للمدرسين كي يتخذوا القرار المناسب في حق التلميذ بحكم مباشرتهم العمليّة له.
5 ـ يرجّح قرار الاسعاف بالارتقاء للتلاميذ المهدّدين بالرفت، وهنا يستند القيم العام الخارجي إلى ملفّ التلميذ المدرسي، فيقرأ على المجلس تاريخ ولادته، وسنوات رسوبه، ومدّة التجاوز العمري المسجّلة في حقّه، وفي هذه الحالة لا يعدّ تدخّله في المجلس تصويتا مباشرا، وإنما إنارة للمجلس كي يسعف المهدّد بالرفت، للحدّ من الانقطاع المبكر عن الدّراسة، وهو من الآفات التي تنخر منظومتنا التربويّة.
6 ـ إذا أجزنا للقيم العام الخارجي التّصويت المباشر على قرارات المجلس، فبأي حقّ نحجب هذه الامكانية عن القيم العام الدّاخلي، وإذا كان في المدرسة الاعداديّة أكثر من قيم عام خارجي، وأكثر من قيم عام داخلي، وهذا حاصل في مدارس إعدادية عديدة، فبأي حق نستثني البقية من حقّ التصويت، وإذا فسحناه لهم جميعا، أصبح المجلس مجلس إطارات المدرسة وليس مجلس قسم.
7 ـ يكون صوت المدير مرجّحا عند تساوي الأصوات في مجلس التربية وعند النظر في الحالات التأديبية، وهذا التصويت لا يقاس على قرارات مجالس الأقسام لعدم ارتباطه بتعلمات التلميذ المزمع إسعافه، وقد جعل المشرّع (المنشور 93/91 لسنة 1991 المؤرخ في 1-10-1991) صوت المدير مرجّحا لتفادي تعطّل مجلس التربية في حالة تساوت الأصوات سيما وأن تركيبة المجالس متعادلة بين ممثلي المدرسين وممثلي الإدارة.
8 ـ تنقلب مجالس الأقسام في مستويات عديدة إلى مجالس توجيه، وكثيرا ما يقع اللجوء إلى التصويت عند اختلاف المربين حول ملامح تلميذ معيّن، وأي المسالك أنسب لقدراته، فإذا أجزنا للقيم العام والمدير التصويت على قرارات مجالس الأقسام فما المانع من تشريكهم في التصويت على قرارات التوجيه، وعلى فرض أنهم قد شاركوا فيها، فما هي المقاربة التي سينطلقون منها في رسم ملامح التلميذ ؟
نستنتج من كل ما تقدّم أنّ قرار مجلس القسم بخصوص تلاميذ دخلوا منطقة الاسعاف (بالارتقاء أو الرسوب) هو قرار بيداغوجي صرفٌ متعلّق بجوهر التعلمات تحصيلا وقدرة على هضمها في السنة الدراسية الموالية، وذلك لا يتاح منطقيا وعرفيا إلا لمن لهم صفة بيداغوجيّة محضة، وهم المدرسون دون سواهم، ويحسن بالمدير والقيم العام الخارجي التعفّف عن التدخّل في ذلك صونا لمصلحة التلميذ الفضلى، واحتراما للاختصاص.