تتأسّس مهمّة الباحث على مهارات منهجيّة عديدة من بينها ما نصطلح عليه بالشّكّ الإجرائي-العملي، ونعني به الشكّ الذي يكسبه قدرة على أن يضع الجميع، وكلّ شيء موضع شكّ واستفهام، من أجل تمحيص دقيق للحقائق وفرزها، ومن ثمّ الاحتجاج الكافي عليها، وبالتّالي فإنّ الباحث لا يعترف بالمسلّمات، ولا يقبل المعطيات الأولى التي تقدّم له، أو توضع أمامه، لذلك فإنّه يشكّ في:
 وثيقة المنطلق، وما فيها من إبلاغ عن أخطاء أو اخلالات.
 السّجلاّت الإداريّة والماليّة التي يطّلع عليها بمناسبة البحث.
 الإفادات الأولى التي تقدّم له ممّن يشملهم البحث.
 ما يفرزه البحث من قضايا يمكن أن تتحوّل إلى إلهاء على القضيّة الأساسيّة في البحث.
إنّ جرعة الشكّ المقدّرة تعطي للبحث توازنا، ولخطواته ثباتا، وقدرة على بناء معطيات يمكن أن تحسم موقفه من ثبوت التّهم، أو من عدم ثبوتها بشكل يقيني. وقد أكّدنا على أنّ هذا الشّكّ إجرائي، ليس مطلوبا لذاته، وإجرائيّته تدفع الباحث إلى أن يرفد المعطيات المقدّمة إليه بوثائق مثبته لها، أو بتتبّع مسار الخطأ، لمعرفة بداياته، وحصر تداعياته ونتائجه وأثاره. وهذا الشكّ يفضي أيضا إلى تأصيل للمنجز الإداري في علاقته بفاعله، وبالتّراتيب المعمول بها. ومن جهة أخرى يحرص الباحث على احترام قرينة البراءة، التي يضمنها الدّستور والقوانين السّارية، وبالتّالي لا يدان أي عون عمومي إلا إذا نجح الباحث في جرّه إلى الاعتراف، وتعزيز اعترافه بأدلّة مادّيّة ثابتة.
أمّا بالنّسبة إلى رئيس مجلس التّأديب فإنّ الشّكّ يحجّم إلى أدنى قدر ممكن، حتى لا ينسف تقرير البحث وتقرير الدّعوى من أساسهما، ويفقد المسار التّأديبي -بالتّبعة- شرعيّته، وتبقى قرينة البراءة حاضرة في ذهنه ينسّبها بالتّفاعل مع سائر الأعضاء، والمستجدّات التي تضاف إلى القضيّة، وتضيء ما لم تضئه تحرّيات الباحث.