نعني بالأخطاء الادارية كل إجراء أو ممارسة أو نمط عمل مخالف مخالفة صريحة لنصّ قانوني ساري المفعول، وتواجه المسؤولين (مدير، ناظر، قيم عام) صعوبات جديّة في تصحيح المسارات، وتعديل الاجراءات المنظمة للعمل، وأشهر ما يواجهون به "اعتدنا كذا"، أو "جرى العمل بكذا لمدّة سنوات" أو زارنا فلان ولم يطلب منا تعديلات" ... وغير ذلك من العبارات التي تؤشر على أن الأعوان العموميين يبدون مقاومة عند محاولة إعادتهم إلى أصل الأشياء، وهو منطوق النصّ القانوني ساري المفعول، ومن المفيد التّذكير بأن المسؤولية لا تسقط عن المسؤول المباشر وعن الرئيس المباشر للعون الذي يخالف صريح القانون. وبالتالي فإنّ الوضع لا يجوز السكوت عنه، ولكن مواجهته قد تفتح الباب لأوجاع وعراقيل وأزمات قد تهدّد سير العمل العادي بالمؤسسة، وتربك مختلف المتدخّلين.
1 ـ ينص الفصلان 539، و 543 من مجلة الالتزامات والعقود التونسية على أنه لا شرعية لإي إجراء أو ممارسة أو تصرّف إداري أو مالي أو بيداغوجي... يعارض نصّا قانونيا صريحا، نافذ المفعول، ويمكن للعموم النفاد إليه، والاطّلاع عليه.
2 ـ كما نص الفصل 542 من نفس المجلة على أن النصّ القانوني ساري المفعول لا ينسخ إلا بنصّ قانوني مساو له في الدّرجة، أو أعلى منه درجة، وبالتالي فإنّ العرف لا يعتدّ به في هذه الحالة إذا كان مكرّسا لنقيض ما في النصّ القانوني من تراتيب وإجراءات.
3 ـ استقر فقه القضاء الإداري على أن مخالفة الاجراءات القانونية لا تنشأ عنها حقوق مكتسبة، مما يدل على أن مخالفة القانون تبقى أمرا غير معترف بشرعيته، وبالتالي لا يؤسس لشرعية غيره، وفي القانون الإداري كما في الحياة المعيشة "فاقد الشيء لا يعطيه".
4 ـ كما استقر فقه القضاء الإداري على أن مخالفة الاجراءات القانونية مبرّر في الحالات الاستثنائية فقط، وقيدت هذا الجواز بشرطين، أوّلهما اثبات العون العمومي أو المسؤول العمومي وجود ظروف قاهرة تجعل الالتزام بالقانون أمرا غير ممكن، وثانيا أن الانزياح من الاجراء القانوني إلى الاجراء الاستثنائي طارئ وظرفي، يعدل عنه بمجرد ارتفاع السبب الموجب له، وبالتالي لا يتحول الاجراء الاستثنائي إلى عادة سارية، أو نموذج يقاس عليه.
حينئذ ندعو المسؤولين الاداريين والأعوان العموميين إلى أن يكونوا على دراية كافية بفقه القانون حتى يتسلحوا بها في اقناع منظوريهم، وهذا مبدأ لازم في الاصلاح، فلا يصلح الخطأ من لا يحيط بالقانون إحاطة كافية، ولا يتحقق الإصلاح بأوامر فوقية أو بصياح وانفعال، وقد تعلمنا من علم التواصل أن الاصلاح يستنبت في النفوس استنباتا، ويؤسس له في الأذهان تأسيسا، لترفعه سواعد العمال والموظّفين، وينفذوه بحماس وإتقان، ولا يثبّت في أوراق، فيبقى حبرا على ورق.