تعرف مؤسساتنا التربوية تفشي ظاهرة غياب التلاميذ عن الاختبارات العادية والتاليفية مما يربك عمل الاساتذة الذين يضطرون في كل مرة للاتصال بالادارة لمعرفة طبيعة غياب التلاميذ المتغيبين ان كانت شرعية او غير شرعية. ولئن تعطي مختلف النصوص القانونية للادارة الحق في تكييف الغياب فان تلك السلطة ليست مطلقة بل مقيّدة. ذلك ان الواقع اثبت ان الادارة تتساهل في هذه المسالة حينا وتمتنع عن التثبت حينا اخر. كما انها لا تلتزم بتسجيل تاريح ورود مختلف الوثائق المبررة للغياب.
في البدء يجب التعريج على نقطة في غاية من الاهمية: وهو ان مختلف هياكل الصحة العمومية لا تبادر الى منح شهائد طبية للتلاميذ المرضى الذين حضروا لديها. وهذا التلكّؤ غير مفهوم بالمرة. اذ ما الذي يمتع طبيب الصحة العمومية بعد ان فحص التلميذ وتاكد من حالته الصحية الموجبة للراحة من منح شهادة في الغرض؟ في المستوصفات، الوضع مختلف بعض الشيء عن المستشفيات المحلية والجهوية. اذ من المستحيل العثور على دفتر الشهائد الطبية تحت تعلة ان المستشفى هو الجهة الوحيدة المانحة لتك الشهادة. يضاف الى هذا، ان اطباء الصحة العمومية يعتقدون ان الوثيقة التي تعودوا على تسليمها وهي شهادة حضور تعادل في القوة الحجية والقانونية الشهادة الطبية وهو امر خاطئ للاسف.
شهادة حضور تعني ان شخصا ما حضر لدى هيكل صحي عمومي ولا تعني البتتة ان حالته الصحية تستوجب راحة. هناك حالات صحية مرضية لا تستوجب الراحة وهذا مؤكّد. هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى، شهادة الحضور تنص على ساعة الحضور لا لشيء الا لانها لا يمكن ان تبرر غيابا عن يوم كامل. وللاسف الشديد مرة اخرى، فان الاطباء لا يعمرون الخانة الخاصة بساعة الحضور. اذ يمكن للتلميذ ان يتغيب يوما كاملا عن الدراسة ولكن لا يتصل بالمستشفى الا في المساء.
الاشكال القانوني يتازم اكثر اذا امتنع استاذ عن اجراء فرض تعويضي لتلميذ قدم شهادة حضور كمبرر للغياب. هنا سيحدث خلاف. الادارة ستقول بانها الوحيدة التي تكيف الغياب. في حين سيتمسك الاستاذ بان سلطة الادارة تقديرية وليست مطلقة وان شهادة الحضور لا تفيد المرض.
المنشور الخاص بقرارات مجالس الاقسام للثلاثي الثالث يتحدث بتفصيل شديد عن حالات الغياب. حيث يورد حالة الغياب المبرر كالمرض المدعم. هنا المقصود بالمرض الذي يستوجب راحة ولا يمكن التعبير عن هذه الحقيقة قانونا الا بشهادة طبية. جاء في النظام الداخلي الذي اصدرته وزارة التربية: "والشهادة الطبية لا تعوض شهادة الفحص ولا شهادة الحضور" مما يعني ان هناك فرقا بينهما. كما جاء بالنص: "وفي حالة ادعاء المرض فلا بد من الاستظهار بشهادة طبية موقع عليها من الولي في غضون 3 ايام من بدء الغياب".
وللخروج من هذا الخلاف حول حجية شهادة الحضور وهل تعوض الشهادة الطبية، فان القيمين العامين في عدة مؤسسات يقبلون بشهادة حضور لتسوية غياب قام به التلميذ في الفترة الصباحية او الفترة المسائية فقط ويطلبون منه شهادة طبية لاعلام الاستاذ بوجود غياب شرعي يستوجب فرضا تعويضيا. هذا الحل يرى فيه البعض تعسفا على التلميذ خاصة اذا كان الهيكل الصحي يرفض منح الشهائد الطبية.
وخلاصة القول، فانّ شهادة الحضور وان كانت وثيقة قانونية تبرر الغياب فانها قد لا تكون كافية لاجبار مدرس على اجراء فرض تعويضي للتلميذ خاصة اذا كانت هناك سوابق لتمارض التلميذ المعني او كانت لو سوابق تأديبية. وهنا يكون دور الادارة النبيهة، اذ بامكانها تبيان، من خلال سيرة التلميذ المعني ومواظبته، ما اذا كان التلميذ يتمارض او فعلا في حالة صحية استوجبت راحة.
ملاحظة: يرفض القيمون العامون اطلاع الاستاذ على ملف التلميذ والشهادة المقدمة لتبرير الغياب سواء كانت شهادة حضور او شهادة طبية ويرفضون افادته بتاريخ ورود تلك الوثيقة على الادارة. ورغم ان الاستاذ بامكانه معرفة ذلك من لدن التلميذ المعني الا ان بعض المدرسين يريدن التثبت من قسم شؤون التلاميذ. وللخروج من هذه الورطة، يمكن للاستاذ اما تقديم طلب كتابي للمدير حول طبيعة غياب التلميذ اونوعية الوثيقة المقدمة وتاريخ ورودها او الالتجاء الى ممثل الاساتذة في مجلس التربية الذي بامكانه بعد استشارة رئيس المجلس الاطلاع على نوعية تلك الوثيقة باعتبار الاختصاص الحصري لمجلس التربية في متابعة ودراسة حالات غياب التلاميذ.
ا