من الاشكاليّات التي تثار في مجالس التّأديب إمكانيّة إدانة العون إداريّا إذا أخلى القضاء ساحته في (مخالفة، جنحة، جناية)، والجواب عن ذلك ينفتح على امكانيّتين كما يلي:
1- تبرئة ساحته إداريّا طالما أنّ براءته ثابتة بحكم قضائي نهائي، وأحكام القضاء أعلى درجة من قرارات الإدارة.
2- إدانته إداريّا إذا وجدت الإدارة مبرّرا لذلك، مع العلم أنّ العقوبة الإداريّة لا تكون قانونيّة إلا إذا كانت معلّلة تعليلا كافيا، وعبء الإثبات محمول على الإدارة في المادّة التّأديبيّة.
إنّ القضاء العدلي لا يوجّه اتّهاما إلا بنصّ قانوني سابق الوضع، ولا إدانة إلا بإثباتات يقينيّة لا يرتقي إليها الظّنّ. في حين أنّ التّأديب الإداري يدين بروح النّص وبظلّه، ولمجرّد الشّبهة كذلك، ولنا في قانون الوظيفة العموميّة باب واسع للتّأويل، فـ"كرامة الوظيف" . أو "واجب التّحفّظ" حاملتان لتأويلات شتّى، ويمكن للإدارة أن تذهب في تفريعهما على معان عديدة. وبالتّالي فإنّ المجلس قادر على إدانة من برّأه القضاء، شرط تعليل الإدانة تعليلا لا يتعلّق بنفس التّهمة التي بتّ فيها القضاء، ويمكننا ضرب أمثلة:
أحيل عون على القضاء بتهمة التّحرّش، وأخلى القضاء ساحته، ولكنّ الإدارة قادرة على معاقبته إداريّا بتهمة "ارتكاب أفعال مخلّة بأخلاقيّات المهنة" إذا ثبت لها أنّه اختلى بالمتضرّرة، أو عاملها معاملة غير تربويّة. ولكنّها لا تدينه في تهمة التّحرّش في حدّ ذاتها، احتراما للقرارات القضائيّة، وإذعانا لها.
اتّهم عون باختلاس معدّات أو أثاث خارج التّوقيت الرّسمي للعمل، ولم يجد القضاء أدلّة كافية للإدانة، فقضي بعدم سماع الدّعوى، في حين أنّ الإدارة قادرة على تأديبيه بسبب تردّده على المؤسّسة خارج التّوقيت الرّسمي للعمل دون ترخيص، ووضع محلّ شبهة، ولكنّها لا تدينه في تهمة السّرقة، لأنّ ذلك تحدّ لسلطة القاضي.
برّأ القضاء عونا من تهمة ارتكاب ما يسيء إلى كرامة الوظيف مثل السّكر الواضح، والزّنا، وتبادل العنف في فضاءات عامّة وغير ذلك، وللإدارة تأديبه إداريّا، شرط أن يثبت باحثوها وضع العون نفسه محلّ شبهة تسيء إلى كرامة الوظيف. ونستنتج من الأمثلة السّابقة ما يلي:
عدم تكييف الأخطاء تكييفا جزائيّا.
الإذعان للقرارات القضائيّة واجب.
لا يدان العون في نفس التّهم التي برأه منها القضاء.
يمكن للإدارة تأديب من برّأه القضاء استنادا إلى قانونها الإداري، مع البرهنة على وجود خطأ.