من أكثر مظاهر الانفلات فظاعة بعد ثورة 2011 الاستخفاف المفزع بالأرشيف، وبذاكرة الإدارة وبحقوق المواطنين فيها، وقد كنت شاهدا على مشهدين في مندوبيتين جهويتين للتربية:
- تكدّس علب كرطونية ضخمة من الوثائق الإدارية والمالية بشكل عشوائي تحت مدارج المندوبية.
- عمال مندوبية رموا وثائق إدارية ومالية في حاوية النفايات دون حرقها، فحملتها الريح إلى الشارع في مشهد غير حضاري.
المشهدان يختصران واقعا جديدا كرسه ضعف الرّقابة، والتّقصير في المهام الإداريّة، ونعني في هذا السياق إهدار الأرشيف الإداري، وإهماله، وإتلافه دون ضوابط أو معايير قانونيّة، ودون احترام جداول مدد استبقاء الوثائق، ومآلاتها.
ومن العوامل المساعدة على تدني ثقافة التوثيق في مؤسساتنا الادارية، تجاهل الامر عدد 2205 لسنة 2010 لهذا الاستحقاق، اذ بتأملنا في الهيكلة المقترحة لتسيير الشان التربوي جهويا، لا نجد فيه تنصيصا على مصلحة ل "الارشيف والوثائق" ، وهذا النقص ظهر جليا في ما اشرنا اليه من انفلات، واهدار للارشيف.
1- تعريف الأرشيف.
الأرشيف كما عرفه الفصل الأول من القانون عدد 95 لسنة 1988 المؤرخ في: 2 -8-1988 والمتعلق بالأرشيف، "مجموع الوثائق التي أنشأها أو تحصل عليها أثناء ممارسة نشاطه كل شخص طبيعي أو معنوي وكل مرفق عمومي أو هيئة عامة أو خاصة مهما كان تاريخها وشكلها ووعاؤها، تحفظ هذه الوثائق وتجمع أرصدة الأرشيف لفائدة الصالح العام تلبية لحاجيات التصرف والبحث العلمي وإثبات حقوق الأشخاص".
2- أنواع الأرشيف:
تمرّ الوثيقة بالمراحل التالية:
أ ـ الأرشيف الجاري أو النشيط: كل الوثائق مهما كان وعاؤها والمستعملة باستمرار من قبل من أنشأها أو تحصل عليها وذلك لممارسة نشاطه. / الفصل 9 من القانون عدد 95 لسنة 1988. وتكون الوثيقة في هذا الطور محفوظة في مكاتب الاعوان والمسؤولين وفي متناولهم.
ب ـ الأرشيف الوسيط أو شبه النّشيط: كل الوثائق باختلاف وعائها والتي لم تعد أرشيفا جاريا من الأشخاص أو الهيئات التي أنشأتها أو تحصلت عليها، وأصبح استعمالها غير منتظم.
وفي هذه المرحلة يوجه الارشيف الى فضاء الخزن في المؤسسة التربوية أو الادارية بعد انقضاء المدة النشيطة.
ج ـ الأرشيف النهائي: هي الوثائق التي يتعين فرزها وحفظها الدائم.
يوجه الارشيف في هذه المرحلة الى مؤسسة الأرشيف الوطني التونسي. وهذه المرحلة للحفظ الدائم. أما ما لا يحفظ حفظا دائما فيتلف.
تنتقل الوثيقة من الأرشيف الجاري إلى الأرشيف النّهائي مرورا بالأرشيف الوسيط، وفق جدول زمني يسمّى "جدول مدد استبقاء الوثائق"، والذي تعدّه الهياكل المركزيّة بوزارة التّربية بالتّعاون مع مؤسسة الأرشيف الوطني التونسي المهيكلة بالأمر عدد 1226 لسنة 2004 المؤرخ في 31 ماي 2004 المتعلق بتنقيح الأمر عدد 389 لسنة 1997 المؤرخ في 21 فيفري 1997 المتعلق بتنظيم وتسيير الأرشيف الوطني، وتمدّ به كل المؤسسات الإدارية والتكوينية والتّربوية الرّاجعة لها بالنّظر، وبالتّالي فإنّ تصنيف الوثيقة وفرزها وانتقاءها، وتحديد مصيرها إتلافا أو حفظا دائما، ليس مرتبطا بمزاج العون العمومي أو المسؤول الإداري، والذين يسارعون أحيانا إلى تحييد الرصيد الوثائقي المتوفّر لديهم، لغايات جماليّة تخصّ تنظيم المكاتب، والتّخفيف من الحاويات والعلب فيها.
3- في المسؤولية عن الأرشيف:
يتعيّن على المسؤول الإداري والأعوان العاملين معه المحافظة على كل وثيقة مهما محملها أو وعاؤها، والتعامل معها على أنّها ملك الدولة العام / الفصل4 من القانون عدد 95 لسنة 1988 المؤرخ في 2 أوت 1988 المتعلق بالأرشيف. وبالتّالي فإنّه مسؤول عنها بمجرّد توصّلها بها أو وصوله إليها / الفصل5 من القانون عدد 95 لسنة 1988.
4- المسؤوليّة الجزائية عن إهمال الأرشيف أو إلحاق الضّرر به:
تسلّط على من يدان بتهمة إتلاف الأرشيف أو تعريضه للتّلف عقوبة ماليّة تتراوح بين 300د و 3000د، / الفصل 31 من القانون عدد 95 لسنة 1988، بصرف النّظر عن العقوبات المتعلّقة بالزور أو تعمّد إتلاف الأرشيف لتعطيل النّفاذ.
5- مسؤولية المندوب الجهوي للتربية في مادّة صون الأرشيف الإداري:
على المندوب الجهوي مسؤوليّة إداريّة في ما يلحق الأرشيف من ضرر إذا أثبتت الأبحاث الإداريّة عدم عنايته بحفظ الوثائق، أو عدم متابعتها، ونوجّه إلى ما يلي:
- تكليف أعوان من ذوي الكفاءة والاختصاص والجدية للعناية بأرشيف الإدارة.
- تخصيص فضاءات لمعالجة الوثائق وفرزها، وفهرستها وحفظها.
- توفير معدّات ضرورية للحفظ المادّي والتّوثيق الرقمي.
- تكليف الأعوان تحت إشراف أحد مسؤولي المندوبية بفرز الأرشيف وانتقائه وتنظيمه وفهرسته / الفصل 7 من الأمر عدد 1981 لسنة 1988 المؤرخ في13ديسمبر 1988 المتعلق بضبط شروط وتراتيب التصرف في الأرشيف الجاري والأرشيف الوسيط وفرز وإتلاف الأرشيف وتحويل الأرشيف والإطلاع على الأرشيف العام.
- إخضاع أعوان الأرشيف إلى التكوين في الاختصاص.
- مدّهم بجدول مدد استبقاء الوثائق لاعتماده، عملا بمقتضيات المنشور عدد 42 لسنة 2000، المؤرخ في 21-10-2000، والمتعلّق بجداول استبقاء الوثائق المشتركة بين الوزارات والمؤسسات العمومية.
- توجيه مذكّرة عمل داخلية إلى كل مسؤولي المندوبية والى مديري المؤسسات التربوية لتذكيرهم بواجب المحافظة على كل الوثائق الإداريّة، حفظا وظيفيا يسهّل الرجوع إليها، واستخدامها.
- تكليف أحد الحجاب -كتابيّا- بمهمّة التّنسيق بين فضاءات خزن الأرشيف ومختلف مصالح المندوبيّة.
إذا ضبط عون أو مسؤول أو عامل بصدد إتلاف وثائق إداريّة دون التّقيّد بالتّراتيب القانونيّة المعمول بها، فإنّه يؤدّب بموجب ذلك، بصرف النّظر عن التّتبّعات الجزائية ذات الصّلة بالخطأ المقترف.
وقد ربطنا هذا التّصرّف بعون أو بمسؤول إداري حتى نؤكّد أن الخطأ شخصي، والعقوبة عنه شخصيّة أيضا.